في ذكرى جريمة “بلفور” البريطانية المشؤومة.. الجرائم مستمرة في سبيل تحقيق أطماع قوى الاستعمار الغربي والصهيونية العالمية على حساب شعب يستعصي على الانقراض
يصادف اليوم السبت، الثاني من نوفمبر، الذكرى الـ107 لصدور ما يعرف بوعد بلفور المشؤوم، ذكرى أكثر الأحداث المؤسفة في تاريخ البشرية، والذي منحت بموجبه بريطانيا الاستعمارية ليهود الشتات المنتشرون حول العالم المبرر في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.. وبهذا الوعد المشؤوم الذي وصف بأنه وعد من لا يملك لمن لا يستحق ارتكبت بريطانيا جريمة تاريخية بسرقة أرض وحضارة وتاريخ ومنحها لعصابة نافذة..
كان إعلان أو وعد بلفور بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين، استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين.
خلفية تاريخية
انعقد المؤتمر الأول للمنظمة الصهيونية العالمية بزعامة تيودور هرتزل في مدينة بازل بسويسرا يوم 29 اغسطس 1897. وهو المؤتمر الذي ضم كل الجاليات اليهودية في العالم بهدف الترويج لفكرة استعمار فلسطين وإقامة وطن لليهود على أرضها، حيث نص برنامج المؤتمر على أن هدف الصهاينة هو “إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام”.
بدأ اهتمام بريطانيا بفكرة تهجير اليهود إلى وطن خاص بهم، منذ عام 1902م، حيث عزمت الحكومة البريطانية، على منح اليهود وطناً خارج أوروبا.
وخلال الحرب العالمية الأولى نشطت الحركة الصهيونية وتواصلت مع ألمانيا وبريطانيا ورجال السياسة في هذه الدول من أجل إقناعهم بأن فكرة الوطن القومي لليهود سيصب في مصلحتهم، وأكدوا لهم أن دولتهم المزعومة ستكون حافزًا لليهود في الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الحكومة هناك من أجل مناصرة الحلفاء.
وفي يونيو عام 1917، التقى زعيم الحركة الصهيونية العالمية حاييم وايزمان ووالتر روتشيلد باللورد البريطاني كتشنر، في يونيو 1917 حيث طلب قائد الجيش البريطاني من زعماء الحركة الصهيونية صياغة مسودة بيان يعكس رؤية الحركة الصهيونية حول فلسطين ليتم صياغته إلى بيان يُعرض على الحكومة البريطانية للنظر فيه، ثم أصدرت الحكومة البريطانية هذا الوعد المشئوم.
جريمة بريطانية بتواطؤ غربي
جاء الوعد على شكل تصريح موجه من قبل وزير خارجية بريطانيا آنذاك، آرثر جيمس بلفور في حكومة ديفيد لويد جورج في الثاني من نوفمبر عام 1917، إلى اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة.
لم تكن بريطانيا وحدها المتورطة في هذه الجريمة التاريخية ، بل كانت الدول الاستعمارية الغربية شريكة فعلية في تجسيد هذا الوعد المشؤوم.. حيث عرضت الحكومة البريطانية نص إعلان بلفور على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسمياً سنة 1918م، ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسمياً سنة 1919، وكذلك اليابان، وفي 25 أبريل سنة 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ بحسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب.
وفي 24 يوليو عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 سبتمبر 1923، وبذلك يمكن القول إن اعلان بلفور كان وعدا غربيا وليس بريطانياً فحسب.
العرب الحلقة الأضعف
اختلفت ردود أفعال جيوش وحكام العرب تجاه الإعلان بين الدهشة، والاستنكار، والغضب، وبهدف امتصاص حالة السخط والغضب التي قابل العرب بها إعلان بلفور، أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين، بواسطة الكولونيل باست، تؤكد فيها الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ولكنها في الوقت نفسه أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، أن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن خليفة هرتزل، وكذلك عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، ووفرت الحماية والمساعدة اللازمتين لهم.
مواقف شعب الجبارين
أما الشعب الفلسطيني فلم يستسلم للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة القسام 1936، واعتبر أن هذا الإعلان بمثابة “وعد من لا يملك لمن لا يستحق”.
دور الصهيونية العالمية
اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد مستنداً قانونياً لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية، بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وأكد أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.
وتبدو الإشارة إلى إعلان بلفور في نص وثيقة الاستقلال المعلنة مع قيام دولة “إسرائيل”، دليلاً دامغاً على أهمية هذا الوعد بالنسبة لليهود، حيث نقرأ في هذه الوثيقة “الانبعاث القومي في بلد اعترف به وعد بلفور”، وفق تقرير لوكالة “وفا”.
وتمكن اليهود من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين ليحققوا حلمهم بإقامة “إسرائيل” في الخامس عشر من مايو عام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح “إسرائيل” أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض الغير، وتلقى مساندة دولية جعلتها تتغطرس في المنطقة، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش بمن تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه دون رحمة.
وعد بلفور أعطى فلسطين لليهود وطناً وهم ليسوا من سكانها، فلم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى خمسين ألفاً من أصل عدد اليهود في العالم حينذاك، والذي كان يقدر بحوالي 12 مليوناً، في حين كان عدد سكان فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز المليون و650 ألفاً من المواطنين الذين كانوا، ومنذ آلاف السنين يطورون حياتهم في بادية وريف ومدن هذه الأرض، ولكن الوعد المشؤوم تجاهلهم ولم يعترف لهم إلا ببعض الحقوق المدنية والدينية، متجاهلا حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية.
ومازالت بريطانيا حتى الآن ترفض تقديم أي اعتذار بشأن وعد بلفور، وقالت في تصريح سابق إن وعد بلفور موضوع تاريخي ولا نية لها في الاعتذار عنه، بل أعربت عن الفخر بدور بريطانيا في إيجاد دولة “إسرائيل”.
نص مذكرة وعد بلفور المشؤوم
وزارة الخارجية البريطانية
2 نوفمبر 1917م
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
“إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جـهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوما بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى”.
وسأكون ممتناً إذا أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علماً بهذا التصريح.
طوفان الأقصى وعد جديد
جاءت عملية طوفان الأقصى كبداية لمرحلة تاريخية جديدة غيرت الكثير من المفاهيم السائدة ورفعت حالة الأمل بزال الكيان الصهيوني كونه كياناً مؤقتاً قابلاً للتلاشي والزوال ، لكن الأمر يحتاج إلى تضحيات كبيرة وقيادات مخلصة ، واستشعار لروح المسؤولية وإيمان قوي بالله سبحانه وتعالى أولا وبعدالة القضية الفلسطينية ثانياً وبإمكانية هزيمة العدو الجبان الذي لا يعرف سوى لغة التدمير والخراب..