أوروبا تعيش اللحظات الأخيرة لسياسة محتضرة
أكبر فرصة أمام أوروبا خلال عام 2023 هي أن تسيطر على أمنها، وتحرر نفسها من الهيمنة الأمريكية، وليس هناك شك أن لديها فرصة للتحرر من الولايات المتحدة التي تواجه الآن حقيقة أنه إذا كانت ستواجه روسيا في بيئة ما بعد أوكرانيا، فسيتعين عليها تغيير طبيعة انخراطها في أوروبا بشكل جذري.
عندما انتهت الحرب الباردة، كان لدى الولايات المتحدة أكثر من 200 ألف جندي في أوروبا، وقد انخفض هذا الرقم اليوم بشكل كبير، كما تراجعت البنية التحتية ما يعني أن قدرة الولايات المتحدة على تجسيد قوة عسكرية ذات مغزى في أوروبا قد تضاءلت بشكل كبير عما كانت عليه من قبل.
في الوقت الحالي، يجري الحديث عن إرسال الولايات المتحدة 5000 إلى 7000 جندي إضافي، لكن أي خبير عسكري يدرك أن هذه الأرقام ليست مثيرة للاهتمام، إذ أنه لا يمكن الفوز في صراع بهذه الأعداد الصغيرة. ومن أجل عودتها إلى أوروبا بطريقة مجدية، سيتعين على الولايات المتحدة إنفاق مئات المليارات من الدولارات. كما سيتعين على أوروبا أيضاً إنفاق مئات المليارات من الدولارات لإعادة بناء البنية التحتية، والقدرة التي كانت موجودة أثناء الحرب الباردة، إلا أن أوروبا ليست في وضع يمكنها من القيام بذلك، فهي تفتقر إلى الوسائل الاقتصادية، والإرادة السياسية للقيام بذلك.
تحتاج أوروبا للابتعاد عن الحلم الأمريكي بالهيمنة على أمن أوروبا إلى حقيقة أن على أوروبا أن تهتم بنفسها، وأن تبحث عن مصلحتها الخاصة. وقد دعت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على روسيا، ثم جنت الفوائد، وحققت أرباحاً إجمالية بمليارات الدولارات من بيع الغاز الطبيعي السائل بعد أن عجزت أوروبا عن شراء كميات غير محدودة من الغاز الروسي. كما تقوم الولايات المتحدة بسحب الوظائف من أوروبا، لأن الشركات الأوروبية لم تعد قادرة على الاستمرار في العمل بسبب ارتفاع أسعار الطاقة. في المقابل، تقوم عدة دول غربية بقيادة الولايات المتحدة بإرسال دبابات قتالية إلى أوكرانيا، والتي بلاشك بمثابة اللحظات الأخيرة لسياسة محتضرة أصدرتها الولايات المتحدة للتضحية بأوروبا من أجل قضية حرب بالوكالة مع روسيا. واستناداً إلى ذلك ستخرج أوروبا من هذه التجربة أضعف وأكثر ثباتاً في معرفة أن الولايات المتحدة لا تهتم إلا بنفسها، فالولايات المتحدة ليست صديقة أوروبا. لذلك فإن الفرصة متاحة لأوروبا للتحرر من هذا، وخلق واقع جديد، حيث ستكون قادرة على التفاوض مع روسيا وغيرها من أجل ما هو الأفضل لأوروبا.
والسؤال المطروح الآن هو: هل تستطيع أوروبا القيام بذلك؟ للأسف إن النخب السياسية والاقتصادية القائمة التي تهيمن حالياً على السياسة الأوروبية لن تسمح بحدوث ذلك، لأنهم وصلوا إلى السلطة بسبب الولايات المتحدة، وإذا كانوا يسعون إلى فعل شيء جديد، فلن تدعمهم الولايات المتحدة.
لقد كان هذا الشتاء معتدلاً بالنسبة لشعوب أوروبا على الرغم من أن صدمة الطاقة كانت كبيرة، وفي حال تحول إلى كارثة فإنه سيؤدي إلى ثورات في أوروبا، ونزول الناس إلى الشوارع والمطالبة بطرد حكوماتهم ، وكذلك النخب السياسية والاقتصادية الحاكمة.
إذاً هذا الشتاء كان قفي صف الأوروبيين، لكن في العام المقبل لن يكون هناك أي غاز روسي لهم لشرائه، ولذا سيتعين عليهم شراء غاز طبيعي سائل باهظ الثمن، كما لن يكونوا قادرين على تعزيز احتياطياتهم، وسيكون الشتاء القادم بمثابة كارثة كبرى. في ذلك الوقت، سيكون السؤال الرئيسي بالنسبة لأوروبا هو هل سيعودون إلى كونهم أكثر من مجرد خدم استعماريين لإمبراطورية الولايات المتحدة؟
عناية ناصر