أسرار البحث عن منظومة نووية مستقلة.. هل عززت تصريحات البيت الأبيض مخاوف أوروبا من أن الناتو سيخذلها في اليوم الأسود
تحليل استراتيجي – الجماهير
أوروبا هي الناتو والناتو هو أوروبا + أمريكا هذا هو المفهوم الشائع بين عامة الناس منذ تأسيس حلف شمال الأطلسي باعتباره الجدار الشرقي لحماية الغرب من خطر الاتحاد السوفيتي ومن بعده روسيا والدول الحليفة لها، إلا أن تطورات كثيرة أوجدت تباين قياسي في العلاقة بين دول الحلف ولا سيما الدول المنضوية في إطار الاتحاد الأوروبي من جهة وأمريكا وبريطانيا من جهة أخرى.. مما دفع دول القارة العجوز للبحث عن بدائل لحماية نفسها ومن ضمن بدائلها تشكيل منظومة أو قوة نووية أوروبية مستقلة عن الناتو.. وهي فكرة نابعة مخاوف وقلق دول أوروبية صغيرة من تخلي الناتو عن حمايتها أو على الأقل تباطؤه عن الدفاع عنها حال تعرضها لخطر مفاجئ كالغزو مثلا، ولعل ما عزز هذه المخاوف مؤخرا تصريح للرئيس الأمريكي السابق “ترامب” بأن الحلف لن يدافع عن بعض الدول لأسباب مالية.
الأمين العام لحلف “الناتو” ينس ستولتنبرغ أكد اليوم عن رفضه فكرة تشكيل قوة نووية أوروبية مستقلة عن الحلف، في ظل وجود منظومة الردع النووي الحالية في إطار “الناتو”.
وقال “ستولتنبرغ” في خطاب ألقاه في مؤتمر ميونيخ الأمني: “إن فكرة تطوير نوع ما من نظام الردع النووي المشترك الموازي بين بعض أعضاء الناتو دون مشاركة الولايات المتحدة وبريطانيا لن تكون مفيدة ولن تؤدي إلا إلى تقويض الردع النووي (لحلف الناتو) الذي يعمل بشكل جيد منذ سنوات عديدة”.
وشدد على أن كل المناقشات التي تعرض النظام الموجود حالياً والخاص بالردع النووي للشك ستؤدي إلى تقويض عمل الحلف.
انتقادات ترامب لدول حلف الناتو وتهديده بتشجيع روسيا على مهاجمتها، أدخل بعض الدول الأعضاء مثل ألمانيا في دوامة من الحيرة.. فهل يتم العمل على مظلة نووية أوروبية بديلة لحلف الناتو؟
وبعد أن كان أمرا مستبعدا وغير وارد في السياسة الألمانية، تصاعد مؤخرا النقاش حول قدرات الردع النووية الأوروبية المشتركة في برلين، باعتباره رد فعل متخوفاً من نجاح دونالد ترمب في تولي الرئاسة في الولايات المتحدة.
وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر كتب مقالا أثار موجة من الجدل الساخن قال فيه إنه من الضروري البحث في إنشاء قوة ردع نووي أوروبية بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا، وهما القوتان النوويتان في القارة.
وكتب ليندرن: “ما دامت الأسلحة النووية موجودة في العالم فسوف يكون لزاماً على أوروبا أيضاً أن تتمسك بنظام الردع النووي حتى لا تبقى بلا حول ولا قوة في مواجهة ابتزاز الدول الاستبدادية”.
واعتبرت صحيفة هاندلسبلات الألمانية أن برلين لم تعُد قادرة على تجاهل منطق الردع النووي، قائلة: “لنأمل أن يفوز بايدن في الانتخابات، أو ألا تتدهور الأمور كثيراً إذا انتُخب ترمب”.
وكان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب مؤخرا أن الولايات المتحدة لن تدافع عن الحلف في حالة هجوم روسي عليه، مشيرا إلى أن بلدان الناتو لا تنفق أموالا كافية لتطوير دفاعها. وردا على هذا التصريح دعا عدد من الساسة الألمان والأوروبيين إلى إنشاء جيش أوروبي ودرع صاروخية أوروبية منفصلة. وفي تعليقه على هذه الدعوات صرح ستولتنبرغ أنه لا يجب أن تؤدي تصريحات ترامب إلى بداية انهيار الحلف.
وعلقت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية بأن الغرض من تصريحات ترمب “لم يكن التنمر على الأعضاء المتقاعسين” عن دفع الالتزامات المالية، بل كان يكشف عن “العنصر الأكثر تطرفاً في رؤيته الانعزالية للسياسة الخارجية الأمريكية”، التي يلخصها في شعار “أمريكا أولاً”.
إلا أن خبراء عسكريين يرون أن مشروع مشاركة منظومة دفاع نووي بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي “لا يمكن أن ينجح” لأنه في حال وجود مبرر لاستخدامها فمن الذي سيقرر على سبيل المثال الوقت الذي تستخدم فيه الأسلحة النووية؟ هل رئاسة المفوضية الأوروبية أم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أم عواصم الدول الأعضاء الـ27 بالتناوب؟.
ويتساءل المؤيدون لفكرة المظلة النووية الأوروبية عن البديل لحماية دول الاتحاد في حال خذلها الناتو.. مشيرين إلى أنه لا يوجد قوة نووية في إطار التكتل سوى فرنسا، فهي العضو الوحيد في الاتحاد الذي يملك أسلحة نووية بعد خروج بريطانيا.. فهل فرنسا جديرة بالقيام بهذه المهمة أم أن الأمر قيد التساؤلات ؟!
وتقدر ترسانة فرنسا النووية بنحو 290 رأساً نووياً، وهي أقل بكثير من عدد القدرات النووية التي تنشرها الولايات المتحدة في أوروبا والتي تناهز 480 رأساً نووياً منتشرة في ثماني قواعد عسكرية في القارة.
وترافق تهديد ترامب لدول حلف الناتو التي لا تفي بالتزاماتها المالية، مع اعتزام بوتين تطوير سلاح نووي فضائي، ما يضع الحلفاء الأطلسيين، بمن فيهم ألمانيا أمام مفترق طرق استراتيجي بشأن سياستهم الأمنية.
وليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن مظلّة ردع نووي أوروبية مشتركة، بل دأب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على عرض ترسانة بلاده النووية لتكون “في قلب استراتيجية الدفاع الأوروبية”، لكن عرضه قوبل وقتها برفض ألماني.
وكان ماكرون قد اقترح عام 2020 على دول الاتحاد الأوروبي “حواراً استراتيجياً” حول “دور الردع النووي الفرنسي في أمننا الجماعي”، منتقداً اتكال الاتحاد على واشنطن في توفير هذه المظلة الاستراتيجية، قائلاً: “المسألة ليست أن يعرف الأوروبيون ما إذا كان عليهم الدفاع عن أنفسهم مع واشنطن أم من دونها … لكن أمننا ينبع أيضاً وحتماً من قدرة الأوروبيين الأكبر على التصرف بشكل مستقل”.