أهم اخبارسياسةعربي ودولي

أبعاد عملية تبادل السجناء بين روسيا والدول الغربية وتأثيرها على الحرب في أوكرانيا ومستقبل العلاقة بين موسكو وواشنطن

نفذت أمس الأول الخميس أكبر عملية تبادل للسجناء “منذ نهاية الحرب الباردة” بين روسيا من جهة وأمريكا والدول الغربية من جهة أخرى شملت 26 سجيناً ينتمون إلى 7 دول..

الرئيس فلاديمير بوتين ذهب شخصياً إلى مطار مدينة “فنوكوفو” لاستقبال المفرج عنهم وقام بمعانقتهم فرداً فرداً وهنأهم بسلامة العودة إلى بلادهم، بل خاطبهم بقوله: “روسيا لم تنسكم ولو لدقيقة واحدة”..

فما هي تفاصيل الصفقة، وما هو تأثيرها على مستقبل العلاقات بين روسيا والدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو؟! وهل ستؤدي إلى تخفيف حدة الصراع في اوكرانيا، أو إيقاف الحرب.؟!

وما الأهمية الأساسية لهذه الصفقة؟! ومن هم الأشخاص الذين عادوا إلى روسيا ضمن الصفقة وما التهم التي تم احتجازهم على أساسها؟!

الإجابة على هذه الأسئلة وتفاصيل أخرى مهمة في هذا التقرير الموسع:

جرت الخميس في العاصمة التركية أنقرة أكبر عملية تبادل للسجناء “منذ نهاية الحرب الباردة” بين روسيا من جهة وأمريكا والدول الغربية من جهة أخرى شملت 26 سجيناً ينتمون إلى سبع دول مختلفة (الولايات المتحدة وألمانيا وبولندا وسلوفينيا والنرويج وروسيا وبيلاروس)..

الرئيس فلاديمير بوتين ذهب شخصياً إلى مطار مدينة “فنوكوفو” لاستقبال المفرج عنهم وقام بمعانقتهم فرداً فرداً وهنأهم بسلامة العودة إلى بلادهم، بل خاطبهم بقوله: “روسيا لم تنسكم ولو لدقيقة واحدة”..

مفاوضات الأمن الفدرالي الروسي والمخابرات الأمريكية

جرى الإعداد للصفقة منذ أكثر من 18 شهراً، ويبدو أنها كانت تتوقف على طلب موسكو عودة فاديم كراسيكوف، الذي كان يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة في ألمانيا بتهمة تنفيذ عملية اغتيال في حديقة برلين، وعاد الآن إلى روسيا.- حسب تعبير “روبرت غرينال” المحرر السياسي في “بي بي سي”.

ووصف كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية كراسيكوف بأنه “رجل سيء” وقالوا إنه “بالتأكيد أكبر سمكة ترغب روسيا في عودتها”، تعبيراً عن كونه أثمن ما اقتنصته موسكو من هذه الصفقة.

من جانبه المتحدث باسم الرئاسة الروسية “الكرملين” دميتري بيسكوف كشف أن مفاوضات تبادل السجناء بين روسيا والولايات المتحدة أجريت بشكل رئيسي عبر جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

وقال بيسكوف للصحفين إنه لا يجوز الإفصاح عن تفاصيل آلية مفاوضات تبادل السجناء، موضحاً أن موقف روسيا المتشدد تجاه عملية التبادل قد أسفر عن عودة المواطنين الروس إلى بلادهم.

وأشار بيسكوف إلى حضور بوتين شخصياً إلى المطار لاستقبال المواطنين العائدين تقديرا لهم على ولائهم وتفانيهم في خدمة وطنهم، مبيناً أن “مصير جميع الروس المسجونين في الولايات المتحدة مصدر قلق دائم للحكومة الروسية”، وذلك في إطار تعليقه على وضع السجين “فينيك الروسي” الذي ما يزال في أحد السجون الأمريكية، منوهاً إلى أن الأجهزة الروسية ستواصل العمل على إعادة جميع الروس المحتجزين في الخارج.

وأوضح بيسكوف أنه تم استبدال الروس الذين عادوا إلى بلادهم بمجموعة من الأشخاص الذين عملوا لصالح الدول الغربية على الإضرار بأمن روسيا الاتحادية، وفقا لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي.

هوية العائدين إلى روسيا 

قال مصدر في إحدى الإدارات الروسية المختصة إن “أرتيومدولتسيف، وزوجته آنا دولتسيفا وطفليهما”، و”بافيل روبتسوف”، و”فاديم كوناشينوك”، و”ميخائيل ميكوشين”، و”رومان سيليزنيف”، وفلاديسلاف كليوشين.، والذين كانوا مسجونين في دول الناتو، بتهمة التعاون مع الاستخبارات الروسية، قد عادوا جميعاً إلى روسيا.

كما عاد إلى روسيا المواطن فاديم سوكولوف المحكوم بالسجن المؤبد في ألمانيا، بعد إدانته باغتيال إرهابي مطلوب للأمن الروسي في برلين، قتل أسرى روسا خلال حرب الشيشان في التسعينات.

عن ماذا أفرجت روسيا 

وفي المقابل أطلقت روسيا سراح 16 محكوماً بينهم رعايا أمريكيون وألمان وروس وصفوا بأنهم مأجورون، تجسسوا لصالح واشنطن.

وذكرت مصادر إعلامية أن مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال” إيفان غيرشكوفيتش”، وكذلك جندي البحرية الأمريكية السابق “بول ويلان”، كانا من بين السجناء الذين أفرجت عنهم روسيا.

بوتين يستقبل السجناء في المطار 

ذهب الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” شخصياً إلى مطار “فنوكوفو* في موسكو، حيث هبطت طائرة فرقة طيران روسيا التي نقلت السجناء الروس من مطار أنقرة إلى موسكو.

أسفل سلم الطائرة وقف “بوتين” ومسؤولون كبار آخرون، إلى جانب حرس الشرف مستقبلاً السجناء المفرج عنهم ، وقام يمعانقتهم فرداً فرداً ، وخاطبهم بلهجة معبرة قائلاً: “روسيا لم تنسكم ولو لدقيقة واحدة”.. مؤكداً أن روسيا لم ولن تنس قضايا مواطنيها في الخارج.

هنأ بوتين مواطنيه المحررين بعودتهم إلى وطنهم وشكرهم على وفائهم بالقسم. وقال بوتين إن الروس العائدين في إطار التبادل سيحصلون على جوائز و مكافآت رسمية من الدولة.

بايدن خارج الصورة 

بحسب مصادر أمنية روسية لم يكن للرئيس الأمريكي “جو بايدن” أي علاقة مباشرة بعملية تبادل السجناء”.. وهو ما أكده أيضاً الرئيس البيلاروسي “ألكسندر لوكاشينكو” الذي أشار إلى أنه لم يكن للرئيس الأمريكي “جو بايدن” أي يد في تنظيم صفقة تبادل السجناء بين روسيا والدول الغربية، مؤكداً أن الهيئات الخاصة هي من قامت بالمفاوضات التي لم يشارك فيها حتى الدبلوماسيون.

وبالرغم من ذلك إلا أن “بايدن” بدا متحمساً للصفقة وسعيدا بتنفيذها وزعم أنه من طالب بإبرامها، بل وأطلق عليها اسم “إنجاز دبلوماسي”، مضيفاً أن العديد من الدول “شاركت في مفاوضات صعبة ومعقدة، بناءً على طلبي وأنا أشكرهم شخصياً”.

ولحظة تنفيذ عملية التبادل انضم بايدن إلى أقارب الأميركيين الثلاثة في مكالمة من المكتب البيضاوي بعد اكتمال عملية التبادل.

أما المرشح الجمهوري دونالد رامب فقد انتقد صفقة تبادل السجناء بين الغرب وروسيا وعلق بقوله: لقد كان مفاوضونا مصدر إحراج لنا.

الوساطة التركية 

عملية تبادل السجناء التي جرت بين روسيا والدول الغربية تمت بتنسيق من وكالة الاستخبارات التركية، واستمرت لوقت طويل

يذكر أن عملية التبادل هذه لم تكن الأولى التي تجريها موسكو مع الغرب، فتاريخ روسيا يشهد على عمليات تبادل كثيرة منذ زمن الاتحاد السوفيتي حتى زمن‎روسيا بوتين، حيث يمتد تاريخ طويل من عمليات تبادل السجناء مع الغرب.

أهمية العملية 

يرى الكثير من المتابعين أن تبادل السجناء الأخير يجدد الأمل في تعزيز الثقة بين روسيا والغرب، ومن ثم ذوبان الجليد في العلاقات بينهما، ويمهد في الأخير لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

وقال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة (نوتردام -إنديانا) “مايكل ديش”: “هذا لن يكون تطوراً مهماً في المجال الإنساني فحسب، بل إنه سيلبي أيضاً المصالح الاستراتيجية لجميع الأطراف المتضررة”.

يقول أستاذ القانون الدولي في جامعة القديس يوسف في لبنان، الدكتور “رزق زغيب”: كان البعض يعتبر أنّ موضوع تبادل السجناء غير وارد، لا سيما مع الإدارة الأمريكية الحالية، إذ بات الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن متحررا من ضغط الحملة الانتخابية”.

وأكد”زغيب” أن “هذه العملية تحمل في طيّاتها اعتراف غربي بالمكانة الدولية لروسيا وأنه لا يمكن التعامل معها كدولة عادية، إذ أنّها منذ 6 قرون في نادي الدول العظيمة”، مشيراً إلى أنّ “الحزب الديمقراطي يسعى إلى إيصال رسالة للناخب الأمريكي بأن الحرب مهما دامت لا بد من أن يكون لها أفق سياسي يأتي ليترجم المكتسبات والخسائر الميدانية، لا سيّما وأن الشعب الأمريكي مل من الحروب وبالتالي هناك تركيز على الأمور الاقتصادية في الداخل نتيجة التضخم الهائل التي تشهده الولايات المتحدة الأمريكية”.

من جانبه أكد المستشار الألماني أولاف شولتز على أن التبادل كان “القرار الصحيح، وإذا كانت لديكم أي شكوك، فسوف تتخلصون منها بعد التحدث إلى أولئك الذين أصبحوا الآن أحراراً”.

وأضاف بعد لقائه ببعض السجناء لدى وصولهم إلى مطار كولونيا بون: “كان العديد من السجناء يخشون على صحتهم بل وعلى حياتهم”.

وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إنه يرحب بالإفراج، لاسيما عن كارا مورزا وويلان، اللذين يحملان الجنسية البريطانية.

تاريخ طويل من عمليات تبادل السجناء

نشرت وكالة “الأناضول” التركية تقريراً عن عمليات تبادل سابقة للسجناء و المحتجزين في الغرب، وأوضحت أنه عندما كان التوتر متصاعدا بين القوتين العظميين، الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفييتي، والكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الحرب الباردة، جرت عمليات تبادل عناصر مخابرات بين الجانبين.

ففي 10 فبراير 1962 كان أول تبادل معروف بين العقيد بالمخابرات السوفيتية رودولف أبيل، الذي اعتقل في نيويورك في 21 يونيو 1957، وفرانسيه باورز، طيار طائرة الاستطلاع الأمريكية لوكهيد يو-2 التي أسقطت فوق الأورال في 1 مايو 1960م.. حيث تم التبادل على جسر غلينيكر بروك فوق نهر هافيل على الحدود بين برلين الغربية وألمانيا الشرقية، والذي عُرف فيما بعد باسم “جسر الجواسيس”.

وأشارت الوكالة إلى أنه خلال هذه العملية أُطلِق أيضا سراح الطالب فريدريك بريور، الذي قُبض عليه في ألمانيا الشرقية بتهمة الدخول غير القانوني إلى البلاد في أغسطس 1961، والسائح مارفين ماكينين، الذي قُبض عليه في كييف في يوليو/ تموز 1961 للاشتباه في قيامه بالتجسس.

وفي 11 أكتوبر 1963، تمت مبادلة القس الأمريكي “والتر سيزيك”، الذي ألقي القبض عليه عام 1941م، بتهمة التجسس وعاش في “نوريلسك” السوفيتية دون حق المغادرة بعد برنامج إصلاحي دام 15 عاماً، بالموظف السابق في الأمم المتحدة إيفان إيغوروف وزوجته ألكسندرا الذَين اعتقلَا في الولايات المتحدة بتهمة التجسس.

وفي 22 أبريل 1964، تبادل الاتحاد السوفيتي وبريطانيا ضابط المخابرات السوفيتية “كونون مولودي” وضابط المخابرات البريطانية “جريفيل وين” على حدود ألمانيا الشرقية في برلين الغربية.. كان مولودي قد ذهب أولا إلى كندا بوثائق مزورة ثم ذهب إلى الولايات المتحدة، ثم إلى بريطانيا، ليُقبض عليه هناك في 7 يناير 1961 وحكم عليه بالسجن لمدة 25 عاما.. أما “جريفيل وين” فقُبض عليه عام 1962 وحكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات، وكان على اتصال بضابط يتعاون مع أجهزة المخابرات الغربية.

وبحسب تعبير “الأناضول” فعلى “جسر الجواسيس” مرة أخرى، سُلِّم يوري لوغينوف، عضو المخابرات السوفياتية في “كي غي بي”، الذي قُبِض عليه في جنوب إفريقيا في يوليو 1969، إلى الاتحاد السوفيتي مقابل 11 من عملاء المخابرات الألمانية الغربية.

وفي أكتوبر 1969 استبدل الاتحاد السوفييتي وبريطانيا ضابطي المخابرات السوفيتية المولودين في الولايات المتحدة، “موريس” و”لونا كوهين”، بعميل المخابرات البريطاني “غيرالد بروك”، الذي اعتُقل في الاتحاد السوفيتي.

وفي 27 أبريل 1979 أطلقت السلطات السوفيتية سراح 5 شخصيات معارضة من السجن، وأرسلتهم إلى الولايات المتحدة مقابل استلام اثنين من ضباط المخابرات السوفيتية، هما “فالديك إنغر” و”رودولف تشيرنيايف”، اللذَين كانا يعملان تحت ستار الأمانة العامة للأمم المتحدة. وحُكم على العميلين السوفيتيين اللذَين اعتقلا في مايو 1978 بالسجن لمدة 50 عاما.

وفي مايو 1982، تمت مبادلة ضابط المخابرات السوفييتي “أليكسي كوزلوف” بعشرة ضباط مخابرات ألمان اعتُقلوا في ألمانيا الشرقية والاتحاد السوفييتي، وجنرال من جيش جنوب إفريقيا اعتُقل في أنغولا.. يشار أن “كوزلوف” اعتقل في جنوب إفريقيا عام 1979.

وفي “جسر الجواسيس”، أيضاً تبادل طرفا الحرب الباردة 23 من عملاء وكالة المخابرات المركزية الامريكية في مختلف دول الكتلة الشرقية في 12 يونيو 1985، بأربعة ضباط استخبارات سوفيتيين… وكانت هذه العملية أكبر عملية في تاريخ الاتحاد السوفييتي، إذ شملت 27 سجيناً

وفي 11 فبراير 1986، تمت عملية تبادل 9 أشخاص على “جسر الجواسيس” أيضاً، ووفقاً للاتفاق المبرم بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، أُطلِق سراح ضباط من المخابرات التشيكوسلوفاكية والسوفيتية قُبض عليهم في نيويورك وبولندي وألماني تابعَين للاتحاد السوفيتي، مقابل إطلاق الاتحاد السوفيتي معارضَين سوفيتيَين، وألمانيين، وتشيكوسلوفاكي تعاون مع المخابرات الأمريكية.

صفقات الغرب مع روسيا المعاصرة

في 27 يونيو 2010، ألقي القبض على 10 أشخاص في الولايات المتحدة بتهمة التجسس لصالح روسيا، وقامت الأخيرة بمبادلتهم مع سجناء روس، هم “غينادي فاسيلينكو”، و”ألكسندر زابورويسكي”، و”سيرغي سكريبال”، و”إيغور سوتياغين”، أدينوا بالتجسس لصالح وكالات استخبارات غربية في البلاد.

وفي 15 نوفمبر 2019، تبادلت روسيا وليتوانيا 4 أشخاص أدينوا سابقاً بالتجسس، وسلَّمت روسيا شخصاً مدانا بالتجسس إلى النرويج.

وحدثت عملية بارزة لتبادل السجناء في ديسمبر عام 2022، عندما تم تبادل نجمة كرة السلة الأمريكية بريتني غرينر على مدرج مطار أبو ظبي، مقابل تاجر الأسلحة الروسي سيئ السمعة فيكتور بوت، الذي كان محتجزاً في سجن أمريكي لمدة 12 عاماً.

وجاءت الصفقة الأخيرة الخميس 1 أغسطس 2024، والتي جرت في مطار العاصمة التركية، باعتبارها عملية تاريخية منذ الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والغرب، حيث

جرى نقل 10 رهائن، بينهم طفلان إلى روسيا، و13 رهينة إلى ألمانيا، و3 رهائن إلى الولايات المتحدة.

*مصادر: bbc Arabic, Anadolu, Sputnik, rt Arabic

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى